الضمير الجماعي .. الحاجة التي دعتنا للثورة
يرن هاتفي منبهاً أن وقت استيقاظي قد حان، أضرب بصوته عرض الحائط، أتقلّب لأنام، بعد أن ضغطت زر الغفوة، أو زر الإلغاء.. المهم أن الصوت تلاشى.
في تلك الأثناء تبادرت إلى ذهني سيناريوهات عديدة لمسار يومي، يبدو أن في عقلي بقايا ضمير تعمل على تأنيبي كلما خرجت عن القاعدة التي ألزمت نفسي بتنفيذها، وذلك أمر مبشر..
في أحيان كثيرة تتدخل السلطات العليا في المنزل لإعادتي إلى الجدول الذي حددته مسبقاً، ولم يلتزم ضميري، ولا نفسي بتنفيذه. وأحياناً أخرى يغيب الضمير الجماعي المقيم في المنزل، فأنام، وينام معي كل أفراد المنزل بكل هدوء وسكينة.
في مكان آخر من صنعاء ينام المسؤولون.. هم في نفس الجزء الذي أعيش فيه، الجزء الجنوبي المشهود له بحظه الوافر من الاهتمام من قبل إدارة الأمانة، وقد يكون ذلك صحيحاً..
هؤلاء المسؤولون ينامون في الوقت الذي يفترض أن يستيقظوا فيه، في الوقت الذي يحتاجهم الناس لتنظيم أمور حياتهم، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، وهؤلاء تقلدوا مناصبهم ليسيروا أمور الناس، لا ليناموا..
وبذلك فعليهم الالتزام بما تفرضه عليهم مسؤوليتهم من واجبات، فيؤدونها بكل حرص وأمانة..
المشكلة الحاصلة في كثير من الأحيان، بل لنقل دائماً، هي أن الضمير الشخصي للمسؤول ينام ويبقى المسؤول بلا ضمير، وهنا تبرز الحاجة الملحة لوجود الضمير الجماعي المتمثل بأفراد الشعب، نساءً ورجالاً، أطفالاً وشباباً وشيوخاً، من جميع الأطياف المكونة للمجتمع، ومن جميع الأحزاب السياسية المشاركة في العملية الديمقراطية فيه، لا يجب أن يتوانى أحد مهما كانت صفته عن الإدلاء بوظيفة التنبيه في حال حادَ المسؤول عن طريقه الذي يجب أن يسلكه.
هذا ما كان في الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي شهدتها صنعاء وبقية الحواضر اليمنية والقرى الريفية، فكان الشباب هم المصحح وهم الضمير الأول الذي مالت بعد ذلك من أجله القوى السياسية التي انحازت للثورة..
واليوم، نشهد انفلاتاً في الضمير الشخصي لجميع المسؤولين أو نكاد، وهي ظاهرة جديرة بأن تحظى باهتمام الناس بجميع أطيافهم، فالثوار لم يخرجوا بثورتهم بلا سبب، ولا قدم الشهداء أرواحهم هكذا هباءً.
وبذلك، يتحتم الآن على الجميع القيام بالخطوات الأولى في سبيل إيقاظ ضمير المسؤولين، أو لنقل الحكومة، فهي واجهة الدولة، وهي الحاضنة الأكبر للمسؤولين، بتعدد مهامهم..
ما المطلوب إذن؟!
المطلوب مظاهرة هنا، احتشاد هناك، خطبة جمعة تحمل مطالب الناس اليوم في أحد ميادين الثورة التي شهدت تضحيات الناس لمطالب الأجيال المتعاقبة، من الكرامة والحرية والخبز والماء، المطلوب أن يحس المسؤولون بمعاناة الناس، على الأقل أن يوصل الناس مطالبهم لهم، فضمير المسؤولين يحتاج إلى إعادة شحن من الضمير الجماعي للمجتمع يوماً بعد آخر، مهما كانت درجة حرصهم وأمانتهم.
التهديد الذي نخاف أن ندخله، أن يغيب الضمير الجماعي عن الوجود، أن ينشغل الناس بهمومهم الصغرى، بكيفية جلب دبة البترول، وطول الطابور الممتد على محطات تعبئته، وكذلك محطات الديزل، أن يكونون مستعدين للخروج كحشد لأي حزب أو تنظيم، وينسون تنظيمهم كشعب، وحقوقهم كأفراد مواطنين فيه..