أشياء إن تبدَ لكم تسؤكم
يسألني أحد أصدقائي المقربين: هل سبق وأن تنظمت مع الإخوان, لم أتفاجأ حينها من السؤال بقدر ما تفاجأت قبل قليل وأنا أعود بالذاكرة لذلك اليوم، إذ أستغرب، وأنا اللا منتمي إلى أي كيان حزبي أو فكري بعينه، عن السبب الذي دفعه لسؤاله هذا..
يجيب صديق مقرب آخر عن هذا الاستغراب قائلاً: كتاباتك تميل لهم، يوافقه آخر عندما يرسل لي مقطع فيديو عن صحفية تونسية مخضرمة كانت محسوبة على الإسلاميين أول حرف من اسمها : كوثر ، وهي تنتقد "الخوانجيين" بحسب عنوان الفيديو الذي تظهر فيه على قناة ليتها كانت " محسوبة" فقط على النظام السوري، لا بل هي تمثل هذا النظام بما فيه من صفاقة وقبح، تنتقد فيها الصحفيةُ الجماعة وحبَها للسلطة، وإقصاءَها لشركاء الكفاح بمجرد الوصول لها، والمثل يقول: لا دخان بلا نار.
أقف وقفة جادة مع نفسي، ومع علمي اليقيني بأني أقوم بواجبي من نقد لهذه الحركة قد يغيب عن ذاكرة أصدقائي لأسباب مقصودة أو غير مقصودة، قررت أن أكتب مقالاً في نقد الإخوان، تحديداً الواجهة السياسية في اليمن، حزب الإصلاح، لهذا التنظيم العالمي المنتشر عبر رقعة جغرافية ممتدة من إندونيسيا شرقاً إلى أمريكا غرباً، أولم يتهموا أوباما قبلي بأنه " أمريكي متأخون".
يبدو المزاج اليمني المحلي متقبلاً وبشدة فكرة نقد التنظيم، سواء الحركة الإسلامية العالمية أو الحزب السياسي الذي تأسس، بحسب مذكرات أحد قادته، لإيقاف جموح الحزب الاشتراكي إبان الوحدة اليمنية، وليس بعيداً عني منشور للقيادي الحوثي حسن الصعدي، وآخر لمثيله علي البخيتي، ينصحا فيه حزب الإصلاح بتبني سياسة معينة، والاستفادة من تقليم الأظافر العسكرية المجاني الذي قدمته جماعة أنصار الله لصالح التجمع، وهما اللذان آتيا للواجهة عن طريق جماعة تتبنى الحلول العسكرية، قبل أن تسمح لأعضاء مجلسها السياسي من " الشباب"- وهو ما يميز هذه الجماعة في الحقيقة.. وأقصد هنا غلبة أعضائها الشباب على أولئك الكهلة، على الأقل في الواجهة- تسمح لهم بمسح ثوبها الذي يتجدد دنسه كل يوم مع ممارسات مراهقيها من أعضاء اللجان الشعبية والثورية هنا وهناك، وحادثتا " الوجه" و" التخليس" ليستا عنا ببعيد.
يمكننا الاستفادة من هذه الأراء الآتية من المدرسة "القرآنية" الحوثية، والتي أفضل في الحقيقة أن نتعامل معها كما يتعامل الصحفي الفلسطيني المخضرم جهاد الخازن مع حركة حماس، باعتبارها حركة تحرر وطنية لها أخطاؤها، والوصف للأخير وليس لي، وهو أمر أفضل في الميزان بكثير من ادعاء استمرار الارتهان المحلي للقوى الخارجية، بمصالحها المتنوعة، ما يعني توجهنا أخيراً للعمل وفق سقف آمال ومحددات وطنية صرفة.
دعونا نركز في حديثنا على نقد الإصلاح.
سأركز اليوم على أحد قياداته، بل القيادي الأكثر إثارة للجدل، بما هو المتحكم الأول بمقاليد السلطة والمسؤولية للحزب في اليمن، وبما هو أكثر من يفضل اعتبار حزبه السياسية جماعة دينية في الأساس.
إنني أتخيل مشهداً يدخل فيه "الأستاذ" اليدومي، وهو رئيس الهيئة العليا للحزب الذي يفتخر منتموه بأن كثيراً من أعضائه يحملون درجة الدكتوراه، يدخل على أعضاء الحزب في مؤتمر عام عاجل لمناقشة تداعيات الأزمة الحالية التي تعصف بهذا الكيان السياسي، والتي كان أوجها المعارضة الشبابية الكبيرة للخطوة التي أقدم عليها قادة في الحزب باللقاء مع "السيد" عبد الملك الحوثي.
في المشهد المتخيل يجلس اليدومي على المنصة، يحاول إسكات الحشود الصاخبة المتهيجة، يبدأ حديثه بالبسملة، ثم يتلوا الآية القرآنية: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.
يختتم المشهد هنا، لم يسعفني خيالي بتنازلات يقدمها اليدومي أكثر من ذلك، أن يقبل بعقد مؤتمر عام يحوله في لحظات قليلة لجلسة تربوية يعمق فيها من قيم الولاء، ويتحدث فيها مجدداً عن الأصناف الأربعة المنتمية للحزب، مقتبساً من زميله، المخلصون والسذج والحاقدون والكلامولوجيون، والأخيرة تدخل قاموس مفرداتي للمرة الأولى بفضل الأستاذ العلّامة، فينتهي المؤتمر كما ابتُدِئ، لكن بحدة أقل في نفوس أعضائه، بما اختلج صدورهم من إيمان.
سينجح اليدومي بكل تأكيد في إثبات حسن قيادته الدينية، وتوسعه المعرفي بمداخل النفوس ومخارجها، لكنه سيثبت، كما يفعل دوماً في بياناته وكلماته،، في الخيال والحقيقة، أنه سياسي أكل عليه الزمان وشرب، وأن حزب الإصلاح، عليه حقاً الاستفادة من التجربة الحوثية، في تبني الشباب والدفع بهم لواجهة العمل السياسي، ليصبحوا متحدثين رسميين في مرحلة بدأت السياسة تقوض الجموح الكبير الذي ولدته الحماسة الثورية للجماهير الحوثية.
وسيعمل هذا الأمر على إعادة شباب حزب الإصلاح لحساباتهم في التسليم المطلق لما تريده " القيادة"، إذ أن لكل إنسان أخطاء، فكيف الحال بالنسبة للسياسيين، ما يفتح المجال أمام مشاركة سياسية حقيقة في صنع قرار الحزب، لا الاكتفاء بالاحتفاء بما يقوم به الحزب من اتفاقات مع بقية المكونات والقوى السياسية اليمنية في إطار ما يسمى الشراكة الوطنية في صنع القرار اليمني.